السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وفقني الله وإياكم لكل خير, وأسأل الله أن يجعلنا جميعا مفاتيح خير مغاليق شر, اللهم آمين.
سؤالي أيها الفضلاء:
لدي مشكلة في التركيز, ومشتت الذهن في كل شيء:
في المجال العلمي:
أبدأ قليلًا بتعلم اللغة العربية (النحو) وأنقطع, وأبدأ قليلًا باللغة الإنجليزية وأنقطع, وأقرأ في الكتب الشرعية وريقات وأنقطع (لدي مكتبة),
وأقرأ في مجال عملي فترة وأنقطع, وأقرأ في المجال التربوي وأنقطع, وأسمع للمحاضرات والأشرطة الدينية فترة وأنقطع.
بالنسبة للقرآن الكريم:
أحفظ ما يقارب 13 جزء, أقرأ يومًا, وأنقطع يومًا أو أيامًا، هل لكثرة الأعمال والتعب سبب في ذلك فأنا أعمل فترتين ما يقارب (12) ساعة يوميًا؟
أفيدونا, ما الطرق والوسائل للتركيز وعدم التشتت؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وعن أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك.
وأن يكثر من أمثالك، وأن ثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يبارك لك في عملك، وأن يبارك لك في دينك ودنياك، وأن يمنَّ عليك بتنظيم وقتك، وأن يعينك على الاستفادة منه، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة.
وبخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم الفاضل – فإني أرى أن السبب في هذا الانقطاع عن هذه الأعمال الرائعة إنما هو الدوام الطويل المرهق؛ لأن هذه المرحلة من العمل أو هذه الفترة من العمل التي تصل كما ذكرت إلى اثنتي عشرة ساعة.
وقطعًا يتخللها مثلًا ثلاث ساعات وسط النوم تكون لإعداد الغداء, ولعلك قد تستريح قليلًا, وقد لا تستريح، فمعنى ذلك أن معظم اليوم يضيع في العمل، فقد تستغرق في العمل ما لا يقل عن ست عشرة ساعة.
ومعنى ذلك أن الباقي لك هو حظ بدنك؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام – كان يقسم اليوم ثلاثة أقسام، وأنت الآن بهذه الطريقة تعطي ثلثي عمرك في العمل - غالبًا – لأنك عندما تذهب للعمل وترجع من العمل تحتاج إلى ساعات، خاصة وأنك الآن تعيش في دولة قطر، وهي تعاني بعض الازدحام الذي قد يأخذ بعض الأوقات أو كثيرًا من الأوقات في الانتظار في إشارات المرور وغير ذلك.
فأنا أقول: اثنتا عشرة ساعة عمل هذه قد تصل إلى خمس عشرة ساعة مع توابعها، ولديك مثلًا ثلاث ساعات فترة راحة ما بين الفترة الصباحية والمسائية، فمعنى ذلك أنك وصلت إلى ثماني عشرة ساعة، فالباقي لك غالبًا يكون هو للراحة.
ولذلك هذا الانقطاع لهذه الأشياء إنما هو –أعتقد- ثمرة أو نتيجة طبيعية لهذا العمل المكثف وهذه الأوقات التي تضيع من عمرك، إلا أن هذا لا ينفي أنك قد يكون لك بعض الوقت، ولكن الذي يجعلك لا تحسن الاستغلال إنما هو عدم وجود أحد يتابعك؛ لأنك تبدأ بنفسك ثم تنقطع باعتبار أنك لا تشعر بالمسؤولية، وليس هناك من يقوم على توجهيك وعلى متابعتك حتى يستطيع أن يساعدك على ضبط وقتك والاستفادة منه.
فعليك -بارك الله فيك- أولًا أن تحدد الذي تريده، وإن كنت أرى أن تبدأ بالقرآن الكريم، وليكن ذلك على أحد الإخوة المحفظين من أئمة المساجد أو غيرهم، على أن تتفق معه – مثلًا – على أن يكون المعدل كل يوم نصف ساعة، تراجع جزء بسيطًا.
ولا ترهق نفسك؛ لأنك إذا أخذت مثلًا جزءً كبيرًا لتحفظه فقد لا يتسنى لك مراجعته, ويضيع حفظه, وبالتالي قد تنقطع، أما لو حفظت كل يوم آية أو آيتين أو ثلاث حسب ظروفك، وداومت على ذلك، فهو أفضل من أن تحاول حفظ صفحة من المصحف ولا تستطيع أن تفعل ذلك، وإن فعلته بعض الأيام قد لا تفعله معظم الأيام.
ومن هنا فإني أقول كما قال الله تبارك وتعالى في قصة موسى عليه السلام: {واجعل لي وزيرًا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيرًا * ونذكرك كثيرًا * إن كنت بنا بصيرًا} فأرى أن تستعين بمحفظ.
وأن تبدأ بالمشروع الأول وهو حفظ القرآن الكريم، ولا تبدأ بغيره معه حتى تنتهي منه؛ لأن الوقت الذي لديك يكاد يكون مشغولًا بصورة كاملة، وإذا منّ الله تبارك وتعالى عليك وتفضل عليك بحفظ القرآن الكريم فتكون قد حصلت على ما هو أعظم من جائزة نوبل وغيرها من الجوائز العالمية.
فعليك بأن تبدأ بالقرآن، وكما ذكرت لك على يد محفظ، ولا تبدأ مع نفسك حتى لا تتراخى وتتكاسل، ثم بعد ذلك كما ذكرت لك تأخذ مقادير صغيرة تستطيع أن تهضمها في أي وقت كان، سواء كان بصفة يومية, أو يومًا بعد يومز
أو في أيام الراحة، وبذلك أعتقد أنك ستنجز إنجازًا عظيمًا، وسوف تستطيع أن تركز، لأنك الآن تريد أن تفتح عدة ملفات, وأنت لا يوجد لديك وقت للتفكير في ملف واحد، وهذا أعتقد هو السبب الرئيسي في عدم التركيز ووجود التشتت.
ولكن لو بدأت - إن شاء الله تعالى – بالقرآن كما ذكرت مقاطع صغيرة، وعلى يد محفظ، فأعتقد أنك سوف تنجح بإذن الله تعالى في تحقيق بعض ما تصبو إليه، وبالتالي أيضًا سوف تبدأ في المشاريع الأخرى مشروعًا مشروعًا بعد أن تنتهي من المشروع الأكبر، ألا وهو حفظ القرآن الكريم الذي هو كلام الله الذي منه بدأ وإليه يعود.
أسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك إلى كل خير، وأن يعيننا وإياك على ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه جواد كريم, هذا وبالله التوفيق.
الكاتب: الشيخ/ موافي عزب
المصدر: موقع الشبكة الإسلامية